في صباحٍ يثقل كاهله التوتّر، استيقظ لبنان على وقع تطوّرٍ أمني جديد أعاد فتح جراح الجنوب. غارة إسرائيلية دقيقة استهدفت سيارة في بلدة المنصوري، فسقط قتيل، وتجدّدت معها الأسئلة حول الهوامش الضيّقة التي يتحرّك ضمنها البلد. المشهد بدا كأنه فصلٌ آخر من رواية لا تنتهي، حيث الجنوب يدفع دائماً ثمن الاشتباك المفتوح بين تل أبيب وحزب الله، فيما الدولة تقف عند خط النار تحاول قراءة ما وراء الضباب.
لكن الحدث الأمني ليس سوى واجهة لمشهد سياسي أكثر تعقيداً. خطة “درع الوطن” التي تسعى لفرض سلطة الدولة على كل السلاح، بقيت العنوان العريض للنقاش الداخلي. الحكومة تفاوض، الجيش يقدّم تقاريره، وحزب الله يصرّ على أن السلاح “جزء من معادلة الحماية”. وبين شدّ وجذب، يلوّح الخبراء بأن الرفض المستمر قد يفتح الباب – ولو همساً – أمام نقاشات مباشرة بين لبنان وإسرائيل، وهو احتمال يثير الريبة والفضول معاً.
على الطاولة السياسية، الحرارة ليست أقلّ ارتفاعاً. النقاش حول قانون الانتخاب يشعل اشتباكاً كلامياً بين القوى، ومعه تتكاثر التحليلات حول تحالفات جديدة تولد في الشمال، واستقطابات قد تعيد رسم المشهد النيابي المقبل. كل فريق يرفع رايته، فيما الناس تبحث عن بوصلة تُخرج البلد من الحلقة المفرغة.
وفي خلفية المسرح، تتهيّأ واشنطن لإرسال سفيرها الجديد، خطوة تُقرأ كإشارة إلى انخراطٍ أعمق في الملف اللبناني، خصوصاً في ظل التصاعد الأمني وإمكان استئناف المفاوضات غير المباشرة حول الحدود.
لبنان اليوم يقف بين نارٍ مشتعلة عند حدوده الجنوبية وضباب كثيف يخيم على مستقبله السياسي. ومع ذلك، يظل البلد – بعنادٍ يعرفه جيداً – يحاول شق طريقه نحو استقرارٍ طال انتظاره، ولو بخطى متعبة.
