يشهد لبنان مرحلة من أدقّ المراحل السياسية والأمنية في تاريخه الحديث، إذ تتشابك فيه خطوط النار في الجنوب مع حراك دبلوماسي كثيف في الداخل والخارج. فقد تصاعدت الضربات الإسرائيلية على مناطق الجنوب والبقاع، مستهدفة سيارات ومنازل مدنية، ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا. هذا التصعيد الخطير يشير إلى تبدّل في قواعد الاشتباك، حيث باتت إسرائيل تتعامل مع الأراضي اللبنانية كمنطقة مفتوحة لرسائلها العسكرية، في حين يلتزم حزب الله بمعادلة الردّ المحسوب، لتفادي اندلاع حرب شاملة يصعب احتواؤها.
في موازاة ذلك، تتواصل التحركات السياسية في بيروت لمحاولة استيعاب الضغوط الدولية. فقد استقبل قائد الجيش العماد جوزيف عون وفداً أميركياً رفيع المستوى، حيث أكد التزام لبنان بتطبيق القوانين المتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب وغسيل الأموال. هذا اللقاء جاء بعد فرض عقوبات جديدة على شخصيات مرتبطة بحزب الله، ما يعكس استمرار التوجّه الأميركي نحو تشديد الرقابة المالية على لبنان. ومع ذلك، حاول عون في تصريحاته موازنة الرسائل، فشدد على ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيلية، داعياً المجتمع الدولي إلى الضغط لتطبيق القرار 1701 وضمان الاستقرار.
أما على الصعيد السياسي الداخلي، فقد برز اقتراح النائب سامي الجميّل بتعديل الدستور لإدراج مبدأ “الحياد” في مقدمته، في خطوة تهدف إلى تحييد لبنان عن صراعات المحاور الإقليمية. هذا الطرح، رغم أنه يلقى تأييداً في بعض الأوساط، يثير أيضاً جدلاً واسعاً بين القوى التي ترى فيه مساساً بعقيدة “المقاومة” وبالتحالفات القائمة.
لبنان اليوم يقف على مفترق طرق: بين نار الجنوب وضغوط الخارج وانقسام الداخل. لكنه، كما العادة، يواصل التمسّك بخيط الأمل الرفيع، باحثاً عن صيغة تضمن له البقاء في وجه العواصف المتلاحقة.
