استفاق لبنان على نهار جديد يشبه ما سبقه من فصول القلق، لكنه أشدّ وقعاً وأكثر قسوة. ضربة جوية إسرائيلية استهدفت مخيم عين الحلوة قرب صيدا، فحوّلت الملعب إلى ساحة نار، وأعادت الوجع الفلسطيني – اللبناني إلى صدر المشهد من دون استئذان. ثلاثة عشر روحاً صعدت دفعة واحدة، فيما بقيت الأسئلة معلّقة: لماذا الآن؟ ولماذا هناك؟ إسرائيل تقول إنّ الهدف “مركز تدريب”، وحماس تردّ بأن الموقع كان ملعباً رياضياً. وبين القولين، دمٌ لا يناقش.
لم يكد الجنوب يلتقط أنفاسه حتى أعادته الطائرات المسيّرة إلى دوامة الرعب. في بلدة الطيري، استهدفت ضربةٌ سيارةً على الطريق، فقتل رجل وأصيب أحد عشر آخرون، بينهم طلاب كانوا يمرّون في حافلتهم المدرسية. المشهد صارخ، يدقّ على أبواب الذاكرة اللبنانية، وكأن البلاد تعيش في نسخة جديدة من الماضي، لكن بإخراج أكثر دقة ورقابة دولية أقل.
هذه الأحداث لا تأتي في الفراغ. فلبنان اليوم يقف على مفترق إقليمي لا يرحم: إسرائيل من جهة، إيران وحلفاؤها من جهة أخرى، وضغط عربي ودولي يزيد الطين بلّة. الدولة، بضعفها المزمن، تكتفي بإدارة الأزمة بدل حسمها. السؤال الأكبر يظلّ مطروحاً على الطاولة: كيف يمكن للبنان أن يفرض سيادته في ظل هذا التداخل؟ وكيف يمكنه أن يحمي مدنه وقراه من أن تتحول إلى ساحات رسائل متبادلة بين الآخرين؟
وسط هذا المشهد المعقّد، يبقى الشعب اللبناني – كعادته – يحاول أن يرمم يومه، يضمد كرامته، ويبحث عن فسحة أمل بين السطور. ومع أنّ الرياح عاتية، إلّا أنّ لبنان ما يزال يقف، متعباً نعم، لكنه لم يسقط. وفي ذلك بذرة رجاء لا تزال تنبض رغم كل شيء.
