بدا لبنان كعادته واقفًا بين زمنين: ماضٍ مثقل بالأزمات، وحاضرٍ متوتر لا يملك ترف الانتظار. الأحداث المتسارعة في ذلك اليوم عكست صورة بلد يعيش على إيقاع الضغط السياسي، والقلق الأمني، والمراوحة الاقتصادية، وكأن الاستقرار بات مشروعًا مؤجّلًا إلى أجل غير مسمّى.
أمنيًا، عاد الجنوب إلى واجهة المشهد. التوتر مع إسرائيل تصاعد من جديد، مع رسائل نارية وتصريحات متبادلة، وحراك عسكري لا يطمئن أحدًا. الحدود الجنوبية تحوّلت إلى خط أعصاب مفتوح، حيث يكفي خطأ صغير لإشعال مواجهة لا يريدها الناس، لكن يبدو أن حسابات الكبار لا تعبأ بتعب الصغار. في هذا السياق، برز اقتراح أميركي لتعديل آلية العمل في الجنوب، يمنح الجيش اللبناني دورًا أكبر في التحقق الميداني، في محاولة واضحة لاحتواء الانفجار قبل وقوعه.
سياسيًا، استمرت الدبلوماسية في الدوران حول نفسها. جولات سفراء غربيين وعرب على الحدود، وتصريحات رسمية تتحدث عن “الالتزام بالاستقرار”، فيما الواقع يقول إن القرار اللبناني ما زال موزعًا بين الداخل والخارج. أما الخطاب السياسي الداخلي، فبقي أسير المزايدات، مع تسريبات عن تحضيرات انتخابية مبكرة، وصراعات حزبية على النفوذ والمكاسب.
اقتصاديًا وقضائيًا، عاد ملف الفساد إلى الواجهة مع الإفراج عن وزير سابق بكفالة مالية، في قضية أعادت طرح السؤال القديم الجديد: هل المحاسبة في لبنان فعلٌ حقيقي أم مجرّد عرض موسمي؟ المواطن، المنهك أصلًا، لم يعد يثق بالوعود، ولا يرى في هذه التطورات سوى حلقة إضافية من مسلسل طويل.
خلاصة المشهد لبنان ليس في حالة حرب، لكنه أيضًا ليس في سلام. هو بلد معلّق، يتنفس بالحد الأدنى، وينتظر قرارًا حاسمًا لم يولد بعد. بلد يعرف كيف ينجو… لكنه لم يتعلّم بعد كيف يستقر.
