في تغريدة لافتة عبر منصة “إكس”، أعاد رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب تسليط الضوء على رمز من رموز الهوية الوطنية السورية، هو النشيد الوطني السوري الذي ردّده السوريون منذ عام 1938، قائلاً إنه “بقي شاهدًا على عشرات الانقلابات وتقلّبات الزمن”، مضيفًا عبارة تعبّر عن العروبة والتضامن: “تحية إلى مصر العروبة.”
النشيد الوطني السوري الذي ردّده السوريون منذ عام 1938، وبقي شاهدًا على عشرات الانقلابات وتقلّبات الزمن.
تحية الى مصر العروبة pic.twitter.com/gwsbjjbSQX— Wiam Wahhab (@wiamwahhab) October 25, 2025
منذ عام 1938، يصدح السوريون بنشيدهم الوطني «حماة الديار عليكم سلام»، في المدارس والساحات والثكنات، في لحظات النصر والانكسار، في الاحتفالات والمآتم. لم يكن هذا النشيد مجرّد مقطوعة موسيقية ترافق رفع العلم، بل تحوّل إلى ذاكرةٍ جماعية تعبر الأجيال، تشهد على تقلّبات التاريخ، وتقاوم النسيان.
من بيروت إلى دمشق… ولادة لحنٍ من رحم العروبة
وُلد النشيد في لحظة مفصلية من تاريخ المشرق. في عام 1938، كتب الشاعر الدمشقي خليل مردم بك كلماته، بينما صاغ الأخوان فليفل – القادمان من بيروت – ألحانه، ليجسّد التعاون الفني والوجداني بين جناحي العروبة: سوريا ولبنان. في تلك المرحلة، كانت الأمة العربية تنبض بروح التحرّر، وكانت الأناشيد الوطنية جزءاً من حركة الوعي القومي التي امتدّت من القاهرة إلى بغداد، ومن دمشق إلى القدس.
وحين رُفع النشيد لأول مرة، كانت دمشق ما تزال تتلمّس طريقها نحو الاستقلال، فكان اللحن وعداً بالمستقبل، وصوتاً يربط الأرض بالكرامة.
نشيدٌ لم تُسكتْه الانقلابات
منذ الأربعينيات وحتى اليوم، مرّت على سوريا عشرات الانقلابات والتقلّبات السياسية، وتبدّلت الرايات والشعارات، لكن النشيد بقي ثابتاً، عصيّاً على التغيير. لم يُمسّ به أحد، لأن السوريين، على اختلاف انتماءاتهم، وجدوا فيه ما يجمعهم حين فرّقتهم السياسة.
كل انقلاب كان يحاول كتابة رواية جديدة، لكن “حماة الديار” ظلّ الرواية الأصلية التي لم تُمحَ من الذاكرة.
ربما لأن كلمات مردم بك كانت أكبر من اللحظة، وأكثر عمقاً من أي خطاب سياسي عابر:
“حماة الديار عليكم سلام، أبت أن تذلّ النفوس الكرام” — بيتٌ واحد اختصر معنى الصمود في وجه الهزائم، ومعنى الكرامة في زمن الانكسارات.
مرآةٌ لروح الأمة
النشيد السوري، في جوهره، ليس احتفاءً بالحرب أو القوة، بل بالكرامة والعزّة والوفاء للوطن. هو مرآةٌ لهويةٍ جامعة صمدت أمام موجات الانقسام والحروب، وهو أيضاً تذكير بأن الأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل بالتضحيات التي تراكمت منذ استقلال 1946 حتى اليوم.
كلمات النشيد
حُمَاةَ الدِّيَارِ عَلَيْكُمْ سَلاَمْ
أَبَتْ أَنْ تَذِلَّ النُّفُوسُ الكِرَامْ
عِرِينَ العُرُوبَةِ بَيْتٌ حَرَامْ
وَعِرْشُ الشَّمُوسِ حِمَىً لا يُضَامْ
فِقُوا وَاحْمِلُوا الْحِمَى عَلَى الْأَعْدَاءِ
وَسِيرُوا إِلَى الْعِزِّ وَالْفَخْرِ مَجْدًا وَدَامْ
عَرِينُ العُرُوبَةِ بَيْتٌ حَرَامْ
وَعِرْشُ الشَّمُوسِ حِمَىً لا يُضَامْ
رُفِعَتْ لِعَلْيَائِكُمْ الجِبَاهْ
وَبُورِكَتْ أَيْدِيكُمْ فِي الجِرَاحْ
سَلِيلُ الأُبُوَّةِ لا تَرْتَجِي
إِذَا اسْتَغْفَرَ الحَقُّ فِي النِّضَالْ
فَسُورِيَّةُ تَحْمِلُ العَزَّ وَالإِبَاءَ
وَتُعْطِي الدِّيَارَ الْمَجْدَ وَالْمَقَامْ
مَآثِرُكُم فَخْرُنَا العَالِي
وَحِقُّكُمُ فِي الْعُلا سَامِي
أَذِلَّتْ لَكُمْ كُلُّ صَعْبٍ وَسَاحْ
فَأَنْتُم مَشَاعِلُ نُورِ الضِّيَاءِ
وَأَنْتُمْ بَنَاةُ الْمَجْدِ الْأَبِيِّ
وَأَنْتُمْ سَنَا الْفَجْرِ فِي الظُّلَمَاءِ
✍️ الكلمات: خليل مردم بك
🎼 الألحان: الأخوان فليفل (فريد وغبريال فليفل)
📅 سنة الاعتماد الرسمي: 1938
النشيد كذاكرة ووصية
اليوم، بعد أكثر من ثمانية عقود على ولادته، ما زال النشيد الوطني السوري يذكّر السوريين، والعرب جميعاً، بأن الأوطان ليست حدوداً على الخريطة، بل أصواتاً تتردّد في القلوب.
وحين يصدح الأطفال بـ*«عرين العروبة بيتٌ حرام»*، فإنهم لا ينشدون لسوريا فقط، بل لكلّ وطنٍ عربيٍّ يحنّ إلى كرامته، ويؤمن بأن العروبة — رغم كل ما مرّ عليها — ما تزال وعداً بالمستقبل.
